السؤال:
هذه رسالة، يقول أخوكم في الله عبد الحميد الفقعي من المغرب: أنا عامل
مغربي أعمل في أحد معامل الدجاج في هولندا، وهذا الدجاج يُصدر إلى الأقطار
الإسلامية العديدة، علماً بأن هذا الدجاج غير مذبوح على الطريقة الإسلامية،
يقول: فهل هذا الدجاج حلال أم حرام؟ ويقول أيضاً: أرجو أن يكون الرد يوم
الأحد في هولندا؛ لأن إجازتي في ذلك اليوم، وأيضاً يذكر السائل عبد الحميد
الفقعي من المغرب أن هذا الدجاج إنما يعرض لصعقات كهربائية، أو مسدسات خاصة
للقضاء على هذا الدجاج، فما الحكم في ذلك؟
الجواب:
الحكم هو أن نبحث أولاً من هو المسئول في هذا الذبح، هل هو مسلم أو كتابي؟
إذا كان الجواب بالنفي -أي: يعني أن الذي يتولى الذبح ليس مسلماً ولا
كتابياً- فإن ذبيحته لا تحل حتى ولو تمشى فيها على الطريقة الإسلامية؛ لأن
الله يقول: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾. [المائدة: 5]. فخص ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾
وهم اليهود والنصارى لكون طعامهم حلاً لنا، وهذا القيد ليس مفهومه مفهوم
لقب كما ذهب إليه من ذهب من المتأخرين؛ لأن الاسم الموصول مع صلته بمنزلة
الاسم المشتق؛ فقوله: ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ مثل قول المؤتين الكتاب، ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ كأنما يقال: طعام المؤتين الكتاب، وهذا وصف مشتق، فمفهومه مفهوم صفة وليس مفهوم لقب.
كما أن أهل الكتاب أيضاً لهم أحكام أخرى خاصة عن غيرهم من سائر الكفار،
الذي يتعين القول به أن ذبح غير أهل الكتاب -اليهود والنصارى- لا يحل مهما
كانت الطريقة.
وإذا كان الجواب بالإيجاب؛ أن الذابح من أهل الكتاب -اليهود أو النصارى-
وكذلك من باب أولى إذا كان الذابح مسلماً فإنه حينئذٍ ينظر في الطريقة، إذا
كانت الطريقة على الوجه الإسلامي حلت الذبيحة، وإلا فلا.
على أن من أهل العلم من ذهب إلى حل ذبيحة أهل الكتاب وإن لم تكن على الطريقة الإسلامية استناداً إلى عموم قوله: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾.
وقال: ما اعتقده أهل الكتاب طعاماً لهم ومُذَكًّى وحِلاً فهو حلال للمسلم
على أي وجه كانوا يذبحونه، واستدل أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يأكل من ذبائح اليهود، ولم يستفصل عن كيفية ذبحهم، لكن القول الراجح أنه لا
بد أن يكون الذبح على الطريقة الإسلامية التي يكون فيها إنهار الدم؛ لأن
هذه العمومات -أعني عموم قوله: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ وكذلك الوقائع التي وقعت من الرسول صلى الله عليه وسلم في أكله ذبائح أهل الكتاب- تخصيص لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل».
هذا الحديث قاضٍ على العمومات التي تحل ذبائح أهل الكتاب مطلقاً، كما أن
المعنى يقتضيه أيضاً، فإن احتقان الدم بها هو سبب خبثها ونجاستها وتحريمها.
وكذلك إذا كان المسلم -وهو أشرف وأطيب وأزكى من الكتابي- لا بد في ذبيحته من إنهار الدم فالكتابي من باب أولى.
إذاً يبقى النظر في الطريقة التي ذكرها الأخ الآن، هل يكون فيها إنهار الدم أم لا؟
السائل:
قد قال: إنه يصعق بالكهرباء، وبعد ذلك يقطع الرأس لكي ينزل الدم.
الشيخ:
إذا كان ينزل الدم بعد قطعه فمعنى ذلك أن الذبيحة لم تمت بالصعق، إنما
خدرت ثم ذبحت، وعلى هذا تكون حلالاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل». ولا يمكن أن يجري الدم الجري العادي إلا والذبيحة حية، أما إذا ماتت فإن الدم يتغير ويتخثر، ولا يمكن أن يخرج اللهم إلا شيء يسير.
على كل حال، إذا كان هذا الصعق الذي ذكره الأخ لا يصل بها إلى حال الموت فإن ذبحها قبل خروج روحها تذكية شرعية لقوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ
لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ
وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا
ذَكَّيْتُمْ﴾. [المائدة: 3]. كل هذه الأشياء التي استثني منها إلا
ما ذكيتم وجد بها سبب الموت لا سيما المنخنقة، فإنها أشبه ما تكون بالصعق
الكهربائي، ومع ذلك استثنى الله سبحانه وتعالى من تحريمها ما إذا ذُكيت
-أي: ذبحت- قبل أن تموت، فإنها تكون حلالاً، وعلى هذا فيكون هذا الصعق
وسيلةً لتسهيل الذبح فقط، فإذا جرى الذبح عليها قبل خروج الروح فهي حلال،
أما إذا كان الصعق يؤدي إلى موتها -ولكن الظاهر خلاف كلام السائل؛ لأنه
يقول حتى يسيل منها الدم- فإنها لا تباح حينئذ.
السائل:
لكنها في الحالة التي ذكرت فيها أنها يخرج منها الدم فهي حلال.
الشيخ:
إذا كان الدم المعروف المعهود.